مكة المكرمة هي الحاضرة الدينية الأقدس والأقدم على وجه الأرض، وهي قبلة كل مسلم في صلواته، ومقصد كل زائر لبيت الله الحرام حاجاً أو معتمراً.
ويعود تاريخ مكة إلى حوالي 2000 عام قبل الميلاد إذ كانت قرية صغيرة في واد جاف تحيط بها الجبال من كل جانب. وهناك أسكن إبراهيم عليه السلام زوجه هاجر وابنه إسماعيل. ويقال إن قافلة تجارية من قبيلة “جرهم” اليمنية مرت بمكة واستأذنت هاجر في السكن بجوارها، فرحبت بهم ودعوا قومهم من اليمن، فوفدوا إلى مكة واستقروا بها فتعلم إسماعيل عليه السلام لغتهم وتزوج منهم مرتين، وعندما عاد إبراهيم عليه السلام مرة أخرى إلى مكة أمره الله ببناء البيت ثم أمر الله تعالى خليله إبراهيم بأن يؤذن في الناس بالحج، وهكذا تبوأت مكة المكرمة مكانتها الدينية.
قامت جرهم بدفن بئر زمزم وشرعت في أكل مال الكعبة الذي يهدى إليها، واستمرت تحكم مكة لقرابة ثلاثة قرون قبل أن تسيطر خزاعة من بني قحطان الذين هاجروا من اليمن عقب السيل العرم. وقام عمرو بن لحي سيد خزاعة بعبادة الأوثان، فكان أول من غير دين إبراهيم. ثم انتقلت السيادة على مكة إلى قريش التي تنسب لكنانة من مضر تحت إمرة قصي بن كلاب بن مرة فأنشأ “دار الندوة” لاجتماع رجال قريش، وقبل وفاته قسم أمور الحرم بين بنيه، فجعلت سقاية البيت والرفادة لولده عبدمناف بن قصي الجد الثالث للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتولاها من بعده هاشم بن عبد مناف ثم من بعده عبد المطلب بن هاشم الذي قام بحفر بئر زمزم مرة أخرى، وخلال ولايته كانت هجمة أبرهة الأشرم على الكعبة بغرض هدمها، وتحويل العرب عن الحج إلى الكعبة إلى الكنيسة التي شيدها أبرهة في صنعاء.
مكة عبر العصور
وقد عرفت مكة عبر العصور المختلفة بأكثر من خمسين اسماً وكنية اختلف حول تسميتها بمكة فقيل إنها عرفت بمكة لأنها “تمك” الجبارين أي تذهب سطوتهم، ويقال إنها سميت بذلك لازدحام الناس فيها أو لأن العرب في الجاهلية كانت تقول إنه لا يتم حجهم حتى يأتوا الكعبة “فيمكون” بها أي يصنعون صفير”المكاو”، وهو طائر يسكن الحدائق وكانوا يصفرون ويصفقون بأيديهم إذا طافوا حولها “المكاء والتصدية”. وهناك من يرى أنها عرفت ببكة لأنه لا يفجر أحد بها، أو يعتدي على حرماتها إلا بكت عنقه، ومن المعروف لدى علماء اللغات السامية القديمة أن “بك” تعني الوادي.
وقد ورد في كتابات يونانية قديمة ذكر لمدينة عربية قديمة هي “مكربة” ويعتقد أن اليونان سجلوا اسمها محرفاً عن أصله “مكة الرب” أو “مكة أم رب” باستخدام الألف والميم للتعريف جرياً على عادة أهل اليمن قديماً.
ووردت مكة في القرآن الكريم بعدة مسميات وهي: مكة وبكة وأم القرى والبلد الأمين، بينما عرفت في المصادر العربية بأسماء متعددة منها البلدة والبيت العتيق والحاطمة وأم زخم.
ويعيش في مكة اليوم والواقعة على بعد72 كم. من جدة على ساحل البحر الأحمر قرابة مليون وسبعمائة ألف نسمة موزعين على أحياء مكة القديمة والجديدة وتبلغ المساحة المأهولة بالسكان 80 كم مربع. أما مساحة المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد الحرام فلا تتجاوز 2.6 كم مربع، بينما يصل ارتفاعها إلى 330 مترا عن مستوى سطح البحر.
واقعة أبرهة الأشرم
وتتوسط الكعبة المشرفة المسجد الحرام وتحتفظ تقريباً بنفس الأبعاد التي كانت لها عند إعادة تشييد الكعبة بعد واقعة أبرهة الأشرم وقد شجر الخلاف وقتها بين قريش حول الأحقية في وضع الحجر الأسعد أو الأسود في مكانه من ركن البناء وتدخل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل بعثته لحل هذا الخلاف عندما رضي الفرقاء بوضع الحجر في رداء الرسول وحمله من أطرافه. ومن المعروف أن الحجر ظل من وقتها في مكانه إلا سنوات قلائل حمله خلالها قرامطة البحرين إلى بلادهم “317-339 للهجرة” قبل أن يعاد لمكانه العتيد.
وتجري في الوقت الراهن خطة لتوسيع المنطقة المحيطة بالحرم تشمل تطوير منطقة الشامية لتوفير بيئة عمرانية تتناسب مع طبيعة عمارة المسجد الحرام وتوسيع ساحات الحرم والفصل بين حركة الحجاج والسيارات وتيسير خروج آمن وسريع للحجاج من الجهة الشمالية للحرم فضلاً عن إضافة ساحات شمالية للحرم بعمق 380م. وأنفاق للمشاة ومحطة للخدمات على مساحة 300 ألف متر مسطح ويجري العمل أيضا لإزالة 1000 منزل لصالح زيادة الطاقة الاستيعابية للمسجد.
وتضم مكة أيضا العديد من المعالم ذات الصلة بالسيرة النبوية بالإضافة لمناطق مناسك الحج وهي مزدلفة ومنى وعرفات. ومن هذه المعالم “جبل النور” ويضم غار حراء حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعبد قبل البعثة وفيه نزل عليه الوحي ويصل ارتفاع جبل النور إلى 642م. بينما تصل مساحته إلى 5250.2 م مربع. وهناك أيضا جبل ثور وبه غار ثور الذي مكث فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الصديق أبي بكر خلال رحلة الهجرة إلى المدينة ويصل ارتفاع قمة جبل ثور إلى728م. أما جبل عمر وهو أحد جبال مكة الشهيرة فتتم الآن إزالته لتشييد فنادق ووحدات سكنية جديدة.
مقبرة المعلاة
من معالم مكة التاريخية “مقبرة المعلاة” وكانت منذ القدم لأهل مكة وتقع على طريق الحجون على يمين المتوجه من حي المعابدة إلى المسجد الحرام وقد دفن بها أعلام من الصحابة والسيدة خديجة أم المؤمنين ويقوم علماء الآثار السعوديون بنشر كتابات شواهد قبور المعلاة.
وكما كانت في الزمن القديم مدينة تجارية تتوسط طرق القوافل التجارية بين اليمن والشام والهند وبيزنطة فإن مكة اليوم مدينة تحفل بأسواقها الضخمة التي تلبي بمعروضاتها احتياجات زوارها وتستجيب بكل أريحية لرغباتهم في شراء تذكارات لذويهم من جوار الحرم الشريف ويعجب المرء من تنوع السلع ورخص أسعارها وتمثل التجارة النشاط الرئيسي لأهل مكة ولاسيما في موسم الحج وشهري رجب ورمضان.
_________________________
رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا
اللهمَّ ارْزُقْنِي الْفِرْدَوْسَ الأعلى مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ ولا حِسَابٍ ولا عَذَابْ