واستخدم المسلمون الأخشاب بشكل خاص في صناعة الأبواب والمنابر والمحاريب المتنقلة والأسقف وكراسي المصاحف والقراء فضلا عن السواتر للنوافذ وأدوات الاستخدام المنزلي المختلفةوقد حملت هذه المنتجات بصمات الفنان المسلم·
وعرض عدد من الباحثين لملامح فن النجارة وأثره في المنتجات الخشبية، ومنهم الدكتور زكي حسن في دراسته عن '' فنون الإسلام'' والدكتور فريد الشافعي في دراسته'' العمارة العربية الإسلامية''· وإذا كان المسلمون قد حافظوا على التقاليد الفنية القديمة في صناعة الأخشاب وأهمها الحفر الغائر والمائل واستخدام التلوين، فإنهم أضافوا بقريحتهم أساليب صناعية جديدة لم يسبقهم إليها سواهم
وفي مقدمة ابتكارات النجارين المسلمين استخدام أسلوب ''الحشوات المجمعة'' في صناعة الأثاث والأدوات الخشبية وهو يعتمد على الجمع بالتعشيق بين قطع خشبية ذات أشكال هندسية مختلفة من أجل الإفادة من كل قطع الأخشاب الثمينة والنادرة وتجنب ظاهرة تقوس القطع الخشبية الكبيرة·
ظهر هذا الابتكار التقني في مصر إبان عصر الدولة الفاطمية نظرا لعدم وجود أخشاب محلية جيدة وهو ما كان يؤدي إلى تقوس الأخشاب بسبب الاختلافات الكبيرة بين درجات الحرارة في مناخها المداري·
وقد أتاح أسلوب الحشوات المجمعة للقطع الخشبية الصغيرة ان تتمدد وتنكمش تبعا لاختلاف درجات الحرارة دون ان يؤدي ذلك إلى تقوس الأدوات الخشبية·
ومن فوائد هذا الأسلوب الصناعي الذي انتشر في العالم الإسلامي انه صار بالامكان الاستفادة من القطع الصغيرة المتبقية من استخدام الأخشاب الجيدة في أغراض النجارة، ولم يفت النجارين ان يعبروا عن روح الإبداع في أعمالهم بالتنويع في الأشكال الهندسية للحشوات الخشبية·
وثمة ابتكار إسلامي اخر ربما تم التوصل إليه في عصر المماليك بكل من مصر والشام وهو أسلوب ''الخرط'' اي صناعة الأداة الخشبية من برامق مستديرة وكان هذا الأسلوب شائع الاستخدام في عمل السواتر الخشبية والنوافذ وهو يعرف لدى أهل الصنعة من النجارين باسم ''المشربية''·
وتخدم الأخشاب المخروطة، بالإضافة إلى الغرض الاقتصادي، هدفا اجتماعيا وهو الحجب اي حجب النساء عن الأنظار، وخاصة داخل الدور إذ تتيح نوافذ المشربيات للنساء داخل المنزل مشاهدة الطريق العام وتلمس نسمات الهواء دون ان يلمحهن المارة لاختلاف كمية الإضاءة بين خارج المنزل وداخله·
وأضاف النجارون المسلمون للأساليب الزخرفية أسلوب التطعيم ويعتمد على حفر الزخارف وملأها بأخشاب ثمينة مغايرة في اللون كالابنوس والتاك والصنوبر أو استخدام العاج أو الصدف، وقد اكسب هذا الابتكار الأخشاب المنتجة في ديار المسلمين مظهرا خاصا من الناحية الزخرفية، إذ لم يعد الاعتماد في أبراز الجماليات على الزخارف المحفورة وحدها وإنما اضيف إلى ذلك البعد اللوني الذي لم يكن معروفا قبل ذلك
وفي العصر الصفوي في إيران أبدع الصناع في زخرفة الأدوات الخشبية بألوان ''اللاكيه'' اللامع'' مع استخدام المناظر التصويرية التي كانت شائعة في المخطوطات وايضا على أواني الخزف الصفوية·
وتضم العديد من المتاحف نماذج من هذه المنتجات، ومنها متحف بناكي بأثينا الذي يضم بابا خشبيا عثر عليه في ضواحي بغداد، ويعد من أقدم التحف الخشبية التي تنسب إلى نهاية العصر الأموي، وان كان يرجح انه من أعمال السنوات الأولى من عمر الخلافة العباسية تبعا لمكان العثور عليه·
ويتألف هذا الباب من مصراعين ''300/120سم'' وقوام زخرفته رسم شجرة ذات فروع كثيرة وأوراق نباتية كثيفة وفاكهة فضلا عن عناصر هندسية ونباتية أخرى·
ومن الأبواب القديمة ايضا باب الجامع الأزهر الذي أمر الحاكم بأمر الله بصناعته لهذا الجامع ويحتفظ به الآن متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، وقوام زخارفه رسوم أنصاف مراوح نخيلية محورة وتبدو قريبة الشبه بطرز الزخارف الجصية في سامراء·
وفي العصور الإسلامية المتأخرة درج النجارون على تصفيح الأبواب الخشبية بأشرطة مزخرفة من النحاس المطروق أو بحليات من البرونز المصبوب وهو ما نراه في أبواب المساجد والمدارس المملوكية في مصر والشام·
وشكلت المنابر ميدانا خصبا لفن النجارة الإسلامي، إذ كانت غالبية المنابر تصنع دوما من الأخشاب· ومن أبرز التحف الخشبية في هذا المجال، منبر جامع سيدي عقبة بالقيروان الذي يعد من أقدم المنابر الإسلامية المعروفة، وحسب المصادر التاريخية فإنه مصنوع من خشب ساج جلب من بغداد في نهاية عصر الأمير الاغلبي أبي إبراهيم احمد في النصف الأول من القرن الثالث الهجري ''9م''·
و لجأ النجارون المسلمون إلى استخدام الأخشاب في صناعة الأسقف المزخرفة في آسيا الوسطى واستعمال الأعمدة الخشبية لحمل الأسقف في بعض المساجد التي شيدت في مدن اشتهرت بكثرة أنشطة الزلازل بها وخاصة في مدن اوزبكستان·
كما عرف المسلمون صنع المحاريب المتنقلة، ومن أقدمها ثلاثة محاريب فاطمية محفوظة بمتحف الفن الإسلامي بالقاهرة أقدمها كان بالجامع الأزهر وهو من أعمال أمر بها الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله وآخرها كان بمشهد السيدة رقية وهو آية في دقة الصنع وقد بقي على حالته الأصلية تقريبا وتم إنجازه بين عامي 549 و555هـ ''1160-54م'' في عهد الخليفة الفاطمي القائم بأمر الله·
وخلال العصر العثماني كانت السلطنة تأمر بعمل محاريب خشبية متنقلة وذلك من أجل صلاة السلاطين داخل القصور العثمانية·
كذلك صنعت من الخشب أيضا كراسي المصاحف والقراء وغالبا ما كانت تزين بالحشوات المجمعة المطعمة بالعاج والأصداف وتخصصت إيران في صناعة كراسي المصاحف وكان التفريغ هوالأسلوب الفني والصناعي المفضل لتنفيذ زخارف التوريق العربية التي تزدان بها هذه الكراسي·