منتدى مدرسة دسوق الإعدادية بنات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى مدرسة دسوق الإعدادية بنات

منتدى ثقافى تعليمى ترفيهي يتابع كل ما يخص المدرسة ( تصميم وإعداد فريق المنهج الدراسى )
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 دراسات في البيئة الجاهلية والشعر الجاهلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
little_pharaoh
Admin
Admin
little_pharaoh


عدد المساهمات : 162
تاريخ التسجيل : 29/11/2009
العمر : 58
الموقع : http://egyptian-teacher.blogspot.com/

دراسات في البيئة الجاهلية والشعر الجاهلي Empty
مُساهمةموضوع: دراسات في البيئة الجاهلية والشعر الجاهلي   دراسات في البيئة الجاهلية والشعر الجاهلي Emptyالأربعاء فبراير 24, 2010 11:05 pm

الارتباط الزمني لأصحاب المعلقات بالبعثة النبوية[/font">
ظهر في الجزيرة العربية شعراء كثيرون،حتى ليحسب الدارس لجزيرة العرب وقبائلها ورجالها، أن كل عربي جاهلي قال الشعر، قل أو كثر.
وأمام هذا الفيض من الشعر والشعراء أخذ الدارسون يصنفون الشعر، يختارون منه أفضله وينوهون به ،وقد انتهى بهم الاختيار إلى عشر قصائد عدوها أنفس الشعر ،وأطلقوا عليها لقب المعلقات ، وعدوا أصحابها أفضل الشعراء، ونسبوهم إلى قصائدهم فقالوا: أَصحاب المعلقات ، وقالوا للشاعر منهم: صاحب المعلقة.
ولأهمية هذه المعلقات العشر ولأهمية شعرائها ولعلاقة كل ذلك بالبيئة التي نشأ فيها هؤلاء الشعراء وقيلت فيها هذه القصائد فسوف أركز هذا البحث حول الزمن الذي عاشه الشعراء ومدى ارتباطه بالبعثة النبوية الشريفة.
ولد رسول الله r عام الفيل سنة 571م.
وأوحي إليه بمكة عام 610م.
وهاجر إلى المدينة المنورة 622م.
وانتقل إلى الرفيق الأعلى عام 633م.
وقد اخترت أن تكون هذه الدراسة حول الارتباط الزمني للشعراء العشر ببدء الوحي ونزول القرآن، ذلك لأن التحدي لأمة الشعر كان تحدياً بالبيان القرآني.
وسوف أتناول الشعراء العشرة الأقدم فالذي يليه قرباً من زمن البعثة.
أولاً: امرؤ القيس بن حجر الكندي، وهو الشاعر الذي أجمع الدارسون على تأميره على كل شعراء الجاهلية، وعدوا معلقته النموذج العالي للشعر في الجاهليه ، وضربوا بها المثل لكل شعر نفيس، فإذا أحبوا أن يشيدوا بقصيدة قالوا عنها إنها: أشهر من قفا نبك !
وقفا نبك هو مطلع معلقة امرئ القيس:

implified Arabic]وامرؤ القيس من بيت ملك، فقد كان أبوه حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندي ملكاً على بعض قبائل العرب، وكان إخوته مثله ملوكاً على قبائل العرب.[/font">
ومن أشهر ملوك كندة حجر بن عمرو الملقب بآكل المرار ، ثم ملك من بعده عمرو بن حجر الملقب بالمقصور، ثم ملك بعده ابنه الحارث بن عمرو، وهو أشهر ملوك كندة، وقد بلغ ملكه مبلغاً كبيراً حتى إنه استحوذ على ملك الحيرة، ثم ملَّك: أبناءه على قبائل العرب العدنانية، فملك ابنه حجراً على قبيلتي أسد وكنانة، وحجر هذا هو أبو امرئ القيس الشاعر.
وأم امرئ القيس هي فاطمة بنت ربيعة أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة من بني تغلب بن وائل، وكان كليب عظيماً من عظماء العرب في الجاهلية ، وكان مهلهل شاعراً ، وصاحب خمر ونساء، وقيل إن اسم مهلهل عديّ، وقيل إن اسمه امرؤ القيس!
ومهلهل هو الذي قاد حرب البسوس لأربعين عاماً انتقاماً لمقتل أخيه كليب، ثم إن قبيلته ملت الحرب والقتل وخالفته، وصالحت إخوتها بكر بن وائل، واتفقت الأخبار على أن مهلهلا مات طريداً شريداً تائهاً!!
ومهلهل من شعراء الجاهلية المقدمين، وقالوا إنه سمي مهلهلاً لأنه هلهل الشعر وجعله رقيقاً قريباً من قلوب العرب وأفهامهم.
وكان أعمام امرئ القيس الأربعة أمراء وشعراء، ولعل أباه كان شاعراً أيضاً، ولكن الأخبار لم تذكره بالشعر، بل قالوا إنه كان يأنف أن يعرف بالشعر، وهذا القول يشي بأنه كان شاعراً يخفي شعره لسبب وأو لآخر!
إذن كان امرؤ القيس قد نشأ في بيئة ملك وشعر، توفي بيئة حرب كذلك، فقد قتل خالة كليب وائل ودارت بسببه أشهر أيام العرب : أيام البسوس ،والتي قادها خاله مهلهل ، ثم إن أباه حجراً قد قتل ، قتله بنو أسد بن خزيمة، فقام هو بمهمة الانتقام من قتله أبيه .
ويشبه امرؤ القيس خاله مهلهلاً ، فكلاهما شاعر اشتهر باللهو وبالخمر والنساء، وكلاهما خاض حرباً انتقامية طويلة، وكلاهما خرج من حربه طريداً شريداً، وكان لهذا كله تأثير على حياتهما وشعرهما.
توفي مهلهل بن ربيعة خال امرئ القيس، عام 525م قبل نزول الوحي بخمسة وثمانين عاماً، وهو أشهر شعراء زمانه، بل أول شاعر رويت له قصائد طوال على درجة عالية من الجودة، فهو رائد من رواد الشعر الجاهلي والمقدمين فيه.
وورث امرؤ القيس خاله في الشعر وأربى عليه في الفصاحة والبيان وفي القصائد الطوال البارعة، وأصبح هو أمير شعراء الجاهلية باتفاق الدارسين قديماً وحديثاً ، بل إنه قد روي عن النبي r أنه قال بأن امرأ القيس هو "حامل لواء الشعراء إلى النار" وهذا القول يعطي معنيين واضحين، أولهما أن امرأ القيس حامل لواء الشعراء أي المقدم فيهم شعراً، وثانيهما أن مضامين شعره لم تكن مقبولة إسلامياً ، وأنه مات كافراً فاستحق النار.
توفي امرؤ القيس عام 542م بعد موت خاله المهلهل بسبعة عشر عاماً ،مقترباً من زمن الوحي خطوة أخرى، فقد مات قبل نزول الوحي بثمانية وستين عاماً.
أريد أن أقف وقفة مقارنة بين امرئ القيس وخاله المهلهل.
روت كتب الأدب أن اسم المهلهل عديّ، كما روت أن اسم امرئ القيس عدي أيضاً.
وأنا أرجح أن يكون اسم امرئ القيس عدياً، سمته أمه على اسم خاله، وهذا مقبول اجتماعياً ومقبول في القياس العقلي، وقالوا في كتب الأدب أيضاً أن من أسماء المهلهل امرأ القيس كما أن ما اشتهر به أمير الشعر العربي الجاهلي امرؤ القيس ، وأنا أرد ذلك إلى الألقاب وليس إلى الأسماء ،فمعنى امرؤ القيس رجل القوة، وكلا الرجلين خاض حروباً طويلة، فلا يبعد أن يوصف كل منهما برجل القوة.
هناك أشياء كثيرة مشتركة بين الخال وابن أخته؛ فكلاهما كان شاعراً أميراً، وكان أميراً لاهياً، وكلاهما فجع بعزيز لديه قلب حياته من اللهو إلى الجدّ، وإلى خوض المعارك الطاحنة الطويلة ، وكلاهما كان شاعراً مبدعاً ، ورث ابن الأخت عن خاله الشعر ، ثم تفوق عليه.
ولأن محور دراستنا شعراء المعلقات فإنني سأقصر الحديث تالياً عن شعر امرئ القيس، ولأن هذا المحور أردنا به ربطاً زمنياً بالبعثة النبوية فإننا سنراعي ذلك ونحن نقدم نماذج من شعر امرئ القيس وسائر شعراء المعلقات.
جاء امرؤ القيس قبل قرن من البعثة وقد أوتي موهبة عالية في الشعر، وقد مهد له عدد من الشعراء الطريق للتفوق وعلى رأسهم خاله المهلهل، فجاء أولاً بالترتيب الهيكلي للقصيدة الجاهلية ؛ الوقوف على الأطلال، وذكر المحبوبة، والسفر إليها على ظهور الجمال، ووصف الرحلة وما يعين عليها ، ثم الولوج إلى الغرض الأساسي من إنشاء القصيدة.
وأبرز الأسباب التي جعلت النقاد يقدمون امرأ القيس هو كثرة التشبيهات في شعره، وأستطيع أن أقول بأنه أول من أكثر من استخدام التشبيه مما جعل شعره يتميز على من مضى قبله من الشعراء، وعلى من عاصره من أكابرهم ومقدميهم، وهو أيضاً ما فتن علماء الشعر فأشادوا بالشاعر وشعره وقدموه على غيره.
كانت معلقته دستور الشعر الجاهلي، وبقيت دستور الشعر العربي فيما بعد الجاهلية ولقرون طوال، ولازلنا حتى يومنا هذا نسمع عن شعراء لا يزالون يتمسكون بدستور امرئ القيس الشعري.
معلقة امرئ القيس دون سائر المعلقات يشار إليها بأول كلمتين من مطلعها : (قفا نبك) أما سائر المعلقات فتنسب فقط إلى شعرائها: معلقة لبيد، معلقة زهير ، معلقة النابغة....".
والسبب الذي حفز النقاد على تسمية معلقته بهذا الاسم: قفا نبك، أنه أول من خاطب رفيقين ، وأول من دعا إلى الوقوف على الأطلال ، وأول من دعا إلى البكاء عند الأطلال ، فهذه ثلاث من دعائهم القصيدة الجاهلية دعا امرؤ القيس للأخذ بها في كلمتين فقط: قفا نبك!وفي هذه الأبيات الخمسة من معلقته تبرز جل خصائص امرئ القيس الشعرية.
ويذكر نقاد الشعر أَنَّ امرأ القيس هو أول من شبه شيئين بشيئين في بيت واحد :


كأن قلوب الطير رطباً ويابساً



لدى وكرها العناب والحشف البالي


ليس من هدفنا دراسة شعر امرئ القيس، إن هدفنا في هذا الفصل بيان الموقع الزمني لأمراء الشعر الجاهلي، أصحاب المعلقات، من زمن البعثة النبوية الشريفة، موضحين ملامح الإرهاصات الجاهلية في البيئة والشعر استعداداً للبعثة النبوية الشريفة، وإعداداً لحمل الرسالة إلى العالمين.
كان امرؤ القيس واحداً من سادة البيان في العصر الجاهلي، بل كان مرشد الشعراء جميعاً إلى هيكلة القصيدة العربية وإلى طريقة البناء البياني للشعر العربي .
% % %
الشاعر الذي كانت وفاته بعد وفاة امرئ القيس هو طرفة بن العبد البكري، فقد قتل طرفة عام 564م بعد موت امرئ القيس باثنين وعشرين عاماً، أمر بقتله عمرو بن هند ملك الحيرة المشهور المنسوب إلى أمه هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندي، وهي أخت الملك حجر بن الحارث والد امرئ القيس الشاعر، فتكون هند هذه عمة امرئ القيس .
أما ملك الحيرة عمرو بن هند فهو عمرو بن المنذر الثالث بن امرئ القيس بن النعمان الأسود اللخمي، كان ملكاً جباراً كثير الاعتداء على دماء الناس، وفي أيامه ولد الرسول r.
أكثرُ المؤرخين يقولون إن عمر طرفة حين قتل كان ستة وعشرين عاماً، فيكون عمره عندما مات امرؤ القيس أربع سنوات.
وقتل طرفة قبل نزول الوحي بستة وأربعين عاما.
الباحث عن الأوضاع الأمنية والاجتماعية في العصر الذي عاش فيه طرفة يجد سيطرة كاملة لملك الحيرة على القبائل العربية المجاورة وعلى القبائل على امتداد الساحل الشرقي للجزيرة العربية فيما كان يعرف بالبحرين ، كما يجد تفككاً اجتماعياً يسود القبيلة الواحدة، وهذا ما نلمسه في معلقة طرفة حيث يشكو مرّ الشكوى من أقربائه ويطلق البيت المشهور في ذلك:


وظلم ذوي القربى أشد مضافة


على النفس من وقع الحسام المهند

ومعلقه طرفة تشي بالوضع الاجتماعي الذي تسوده حالة من طلب اللذات بأنواعها وعلى رأسها الخمرة:
ومنها:


وما زال تشرابي الخمور ولذتي


وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي

وكان المجتمع الجاهلي مليئاً بالقيان المغنيات ، يتوافد عليهن الشباب والكهول يستمتعون بهن وبغنائهن ، يقول طرفه في معلقته :
وطرفة جزء من ظاهرة معروفة في الشعراء، فقد ظهر عدد من الشعراء العرب وغير العرب ممن أبدعوا في الشعر وهم دون الثلاثين من أعمارهم، وقالوا في شعرهم من الحكم مالا يتأتى إلا لمن حنكتهم السنون
ومعلقة طرفة مليئة بأبيات الحكم، وهذه أبيات من حكمه:


أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
أرى العيش كنزاً ناقصاً كل ليلة


عقيلة مال الفاحش المتشدد
وما تنقص الأيام والدهر ينفد

وفي ختامها:
وقد اتبع طرفة سنن امرئ القيس في ترتيب القصيدة الجاهلية، فوقف على الأطلال ووصف الناقة التي حملته إلى الأطلال... وهذا مطلع المعلقة:


لخولة أطلال ببرقة ثمهد
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم


تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
يقولون لا تهلك أسىّ وتجلد

وفي وصف الناقة


وإني لأمضي الهم عند احتضاره
أمونٍ كألواح الإران نصأتها


بعوجاء مرقال تروح وتغتدي
على لاحب كأنه ظهر برجد

ويفخر بنفسه فخراً عالياً
الحقيقة التي أحب أن أشير إليها هنا بعد أن تكلمنا عن شاعرين من الشعراء العشرة، أن كل واحد منهما يمثل نمطاً من الشعراء؛ فامرؤ القيس بن حجر يمثل نمطاً من الشعراء عرفناهم بالشعراء الأمراء ، وهؤلاء امتازوا باللهو والترف من ناحية وبالسياسة والحرب من ناحية ثانية، وبالرغم التناقض الذي يبدو في هذه الثنائية إلا أن واقع الشعراء الأمراء هو كذلك دائماً، لهو وترف وخمر ونساء ، ثم سياسة وحروب لا أول لها ولا آخر !
وكان طرفة يمثل النمط الثاني ، عبقرية الشعر المبكرة التي لا تتجاوز سن الشباب ، فطرفة مات ولما يجاوز السادسة والعشرين من العمر، ومع ذلك أبدع هذه المعلقة التي يخيل لقارئها أن قائلها قد طعن في السن وحنكته التجارب ، وهذا نمط من الشعراء عرفته العربية كما عرفته سائر اللغات والأمم.
% % %
وثالث الشعراء في الترتيب الزمني الذي التزمناه هو الحارث بن حلزة اليشكري المتوفي سنة 580م على وجه التقريب، فيكون قد مات قبل نزول الوحي بثلاثين عاماً.
والحارث من بني يشكر بن بكر بن وائل ، ومن المعروف تاريخياً أن حرب البسوس التي دامت أربعين عاماً دارت أيامها بين بكر بن وائل وإخوتهم تغلب بن وائل، وأن القبيلتين عندما جنحتا للسلم كان الذي ضمن السلم ملك الحيرة عمرو بن هند ، وقد أخذ من كلا القبيلتين رهائن من أولادهم ضماناً لالتزامهم بشروط الصلح.
وتقول الروايات أن الملك عمرو بن هند كان حريصاً أن يصطحب معه هؤلاء الرهائن في حله وترحاله، وحتى في حروبه ، وأن الرهن من أبناء تغلب أصيبوا في واحدة من هذه الأحداث التي خاضها الملك، وأن تغلباً طالبت بكر بدفع دية من أصيبوا من أبنائها، وأن بكراً رفضت هذا الطلب.
هذا ملخص لما أورده الرواة في خبر إصابة الرهن من تغلب ، وأنا أرجح أن عمرو بن هند كان يصحب في تنقلاته طائفة من الرهن دون طائفة، فاصطحب في إحدى غزواته رهن تغلب فأصيبوا ، فأحفظ ذلك تغلباً فطالبوا بكراً بالدية .
ويقول الرواة أيضاً إن ميل عمرو بن هند كان مع تغلب، وأن الاجتماع الذي عقده لحل الخلاف بين الفريقين قد أدى إلى تحويل ميله إلى بكر، وذلك بعد أن استمع إلى معلقة الحارث بن حلزة.
ويقول الرواة أيضاً إن الحارث بن حلزة قد ارتجل معلقته أمام الملك في جلسة واحدة، والمعلقة طويلة جداً، استعرض فيها الشاعر ثقافته الواسعة وعلمه العريض في أحوال العرب وفي تاريخ بكر وتغلب مما أثار إعجاب الملك وغير من ميوله التغلبية.
إن الصور التي يرسمها الرواة لعمرو بن هند الذي جعلوه ضامناً للصلح بين بكر وتغلب ، صورة رجل متقلب يميل تارة لتغلب وأخرى لبكر، وهذا في رأيي هو الذي أحفظ عليه التغلبيين وأدى به إلى أن يخر صريعاً بأيديهم!.
والمدقق في الموقف الذي قيلت فيه معلقة الحارث بن حلزة، يلاحظ أن الملك قد شرح صدره لشاعر بكر ، واستمع إلى معلقته الطويلة التي افتخر فيها بقبيلته ولمز من جانب تغلب ، ولم يبد أي تذمر منها أو اعتراض على ما جاء فيها، يدرك تماماً أن هوى الملك كان مع بكر، ولم يكن مع تغلب كما زعم الرواة، والأحداث التي تلت ذلك تؤكد ما نقول.
والرواة مجمعون على أن معلقة الحارث بن حلزة قيلت ارتجالاً وفي موقف واحد، وأنا لا أنفي الارتجال في الشعر ، ولكني أتحفظ على مقولة أن المعلقة كانت بنت ساعتها، فمثل هذه القصيدة التي استحقت أن تكون معلقة لنفاستها الفنية، ولهذا الحشد من التاريخ القبلي العربي فيها، تحتاج إلى إعداد مسبق، وأرى أن الشاعر قد أعد القصيدة لهذا الموقف الذي وقفه دفاعاً عن قبيلته ، فقد جاء إلى مجلس الملك في قضية كبرى قد تعيد الحروب جذعة بين القبيلتين ، وكان يهمه أن يكسب الملك إلى جانب قبيلته ، فاحتشد لهذا الموقف مسبقاً، وأعد له قصيدته ، وألقاها جملة واحدة بين يدي الملك الذي كان مستعداً نفسياً لقبلوها والاحتفاء بها.
وخرج البكريون منتصرين في هذه الجولة، وخرج التغلبيون وقد امتلأت صدورهم نفوراً من الملك وحقداً عليه.
ومطلع معلقة الحارث:


آذنتنا ببينها أسماءُ


ربَّ ثاوٍ يملُّ منه الثواء
أنا أميل دائماً بتوجيه المطلع الغزلي في القصيدة في سياق الموقف الذي قيلت فيه، فقد كان هناك صلح بين بكر وتغلب، وحدث ما عكر هذا الصلح ودفع تغلب إلى نقضه، فلهذا قال "آذنتنا ببينها أسماء" أي أعلنت أسماء (تغلب) أنها قد قررت نقض الصلح، ثم قال محرضاً قومه على الاستعداد وتحذيرهم من الركون إلى الدعة :"رب ثاوٍ يمل منه التواء".
والشاعر بارع في عرض قضيته ، فهو يبدأ بعتاب (إخوانه) التغلبيين ويزعم أنهم يظلمونهم باتهامهم بسبب مصرع رهنهم لدى الملك:


وأتانا من الحوادث والأنـ
إن إخواننا الأراقم يبـ
يخلطون البرئ منا بذي الذّنـ



ـباء خطب نعنى به ونساءُ
ـغون علينا في قيلهم إحفاء
ـب، ولا ينفع الخلي الخلاء

ثم يدخل دخولاً سلساً في الهجوم على تغلب:


أيها الناطق المرقش عنا
لا تخلنا على غراتك، إنا
فبقينا على الشناءة تنميـ



عند عمرو، وهل لذاك بقاء
قبل ما قد وشى بنا الأعداء
ـنا حصون وعزة قعساء


وهو في أثناء عرض قضيته أمام الملك لا ينسى أن يمدحه ويصفه بالعدل:
ثم يستعرض تاريخ تغلب مع بكر، ثم يركز على هزائم تغلب أمام قبائل العرب.... ولا ينسى أن يحشد قصيدته بالحكم والأمثال والتجارب، وتقول الروايات إن الحارث بن حلزة كان من المعمرين، وقد أكسبه هذا العمر الطويل معرفة وتجارب وحنكة جعلته يخوض هذا المعترك أمام الملك بلباقة وبراعة ويخرج منتصرا.
الحارث بن حلزة اليشكري يمثل طبقة من الجاهليين برعوا في البلاغة الشعرية وتضلعوا في المعرفة بأحوال القبائل العربية حتى غدوا مصدراً من مصادر تاريخها ومفاخرها ومعايبها، ونحن إذا تمعنا في أحوال هؤلاء ندرك أننا إزاء جيل من العرب كانوا في الذروة من الفصاحة والبلاغة ، يكسبون بفصاحتهم وبلاغتهم معاركهم مع خصومهم، ويستميلون بهذه البلاغة عقول الملوك الذين كانوا يفتنون بالبليغ من القول.
% % %
ورابع الشعراء من أصحاب المعلقات عمرو بن كلثوم التغلبي المتوفي عام 584م بعد غريمه الحارث بن حلزة بأربعة أعوام، وقبل ست وعشرين سنة من البعثة النبوية، وكان عمرو ممن عُمِّر، وقيل إنه مات وله مئة وخمسون سنة!
أم عمرو بن كلتوم ليلى بنت المهلهل، والمهلهل هو الذي قاد بني تغلب في أيام البسوس مواجهاً بكراً انتقاماً لمقتل أخيه كليب، واستمرت أيام البسوس أربعين عاماً، قاد الصلح بين القبيلتين عمرو بن هند ملك الحيرة، وكان عمرو بن كلثوم قد أصبح سيد بني تغلب.
عندما قتل عدد من رهائن تغلب لدى عمرو بن هند، عاد النزاع ثانية، ودعا عمرو بن هند للمفاوضات بين القبيلتين في مجلس عمرو بن هند، وقاد المنافسة عمرو بن كلثوم التغلبي والحارث بن حلزة البكري.
وقد قدمنا آنفاً دراسة لموقف الحارث بن حلزة، وحتى ندرك السبب الذي جعل عمرو بن هند يميل إلى بكر لا بدّ لنا من دراسة معلقة عمرو بن كلثوم وموقفه في ذلك المجلس.
كان عمرو بن كلثوم حسيباً نسيباً، تياهاً بحسبه ونسبه، وعندما قال معلقته في مجلس الملك عمرو بن هند افتخر بنفسه وبقبيلته ، وعندما ذكر الملك في معلقته كان ذكره له تهديداً ووعيدا، وأي ملك يقبل بذلك!ّ؟
كان من المفهوم لدى كل من يدرس المعلقتين أن عمرو بن هند الذي حكم لبكر على تغلب بعد أن استمع لعنجهية عمرو بن كلثوم، وبعد أن سمع تعريضه به وتهديده له أن يحقد على بني تغلب وعلى شاعرهم بوجه خاص، وأن يدبر له مكيدة تحط من كبريائه، وقد حاول ذلك عندما تعمد الإساءة إلى أم الشاعر ليلى بنت المهلهل، ولكن المكيدة انقلبت عليه، فقتل بيد الشاعر.
ومعلقة عمرو بن كلثوم فريدة بين قصائد الجاهلية الطوال،فقد قيل إنها بلغت ألف بيت، وأن ما وصل إلينا منها لا يبلغ عشرها، وقيل أيضاً إن بني تغلب زادوا فيها وأضافوا إليها، وأن إعجابهم بها بلغ مبلغاً كبيراً، وقد عدوها من مفاخرهم.
القصيدة الموجودة بين أيدينا كلها فخر، وكلها مبالغة في الفخر حتى إن هذا الفخر قد تجاوز المعقول، استمع إلى قوله:


كأنا والسيوف مسلسلات
إذا بلغ الفطام لنا صبي
ملأنا البر حتى ضاق عنا
لنا الدنيا ومن أضحى عليها



ولدنا الناس طراً أجمعينا
تخرُّ له الجبابر ساجدينا
وظهر البحر نملؤه سفينا
ونبطش حين نبطش قادرينا


ثم استمع إليه يعرض بالملك عمرو بن هند:
وكل المعلقة فخر بقومه وتهديد للملك .
إذن كيف لا يميل الملك إلى بكر وقد مدحه شاعرهم، وكيف لا يزور عن تغلب وقد هدده شاعرهم؟
يقول بعض الدراسين إن معلقة عمرو بن كلثوم قيلت بعد قتل الملك، والمتمعن في القصيدة يدرك أن ذلك ليس صحيحاً ،إنما قيلت كلها في مجلسة وفي مفاخرة خصمه ، ولعل شعور عمرو بن كلثوم بميل الملك إلى خصمه هو الذي دفعه إلى التهديد والوعيد.
ومن المناسب هنا أن أنبه أن عمرو بن كلثوم ترك الأعراف الجاهلية في بناء القصيدة ، فبدأها بذكر الخمر وملأها فخراً وتهديداً ووعيداً، ولعل هذا الابتداء في المعلقة هو الذي أوحى لأبي نواس بأن يبدأ قصائده بذكر الخمرة، ثم يخصص قصائد كاملة في وصف الخمرة ومجالسها.
كان بعض الدارسين للقبائل العربية الجاهلية يقولون : "إن قبائل العرب لقاح، لا يدينون لملك " .
ألا يؤيد موقف عمرو بن كلثوم من عمرو بن هند هذا القول؟
إن الملك عمرو بن هند الذي حاول أن يقود الصلح بين بكر وتغلب قتل لأنه لم يُجد إدارة الصلح، ولم يكن محايداً حتى ينجح، فقد أدى به انحيازه لبكر إلى القتل بيد تغلب.
لقد استمر العداء بين بكر وتغلب ، ولكنه بقي في الصدور ولم يؤد إلى عودة الحرب بينهما، بل إن الهدوء قد استمر حتى جاء الله بالإسلام فدخلوا فيه وأفرغوا حبهم للقتال فيما بينهم ،ووجهوه إلى الجهاد في سبيل الله.
% % %
وخامس الشعراء هو عبيد بن الأبرص الأسدي، أسد بن خزيمة،
لولا ما التزمته من الحديث عن شعراء المعلقات من ترتيب زمني لوفاة كل منهم وربطة بتاريخ البعثة لكنت حرياً أن أتحدث عن عبيد بن الأبرص بعد حديثي عن امرئ القيس ، وذلك لارتباط شعرهما بحادث مقتل الملك حجر والد امرئ القيس، وبالحوادث التي اتصلت بعد مقتله ، فقد توفي عبيد عام 600م قبل البعثة بعشر سنين.
كان حجر بن عمرو الكندي والد الشاعر امرئ القيس ملكاً على قبيلتي أسد وكنانة، وكان جباراً ظالماً، يأخذ رعيته بالشدة والعنف، وعندما حاول بنو أسد أن يتمردوا عليه، وامتنعوا عن دفع الإتاوات (الضرائب) عاقبهم عقاباً شديداً، وأمر بنفيهم من مواطنهم وإعادتهم إلى موطنهم الأصلي تهامة البحر الأحمر، وقتل عدداً من ساداتهم بالضرب بالعصا، وبسبب من هذا الحادث لقب بنو أسد "بعبيد العصا".
أضمر الأسديون العداء للملك، ومازال شاعرهم الذي كان نديماً للملك يستعطفه حتى عفا عنهم وأذن لهم بالعودة إلى ديارهم ، فلما عادوا ائتمروا به وقتلوه، فشبت حرب طويلة بين أنصار الملك المقتول بقيادة أبنة الشاعر امرئ القيس وبين بني أسد، وطالت الحرب ، ولم تتوقف إلا بهلاك امرئ القيس ، وبهلاكه لم يعد أحد من العرب يطالب بدم الملك حجر بن عمرو!
كان امرؤ القيس كثير التهديد لبني أسد، فأجابه عبيد بن الأبرص شاعر بني أسد يعيره بهزائمه المتواليه أمام أبطال بني أسد:


ياذا المخوفنا بقتل أبيه إذلالاً وحينا
أزعمت أنك قد قتلت سراتنا؟ كذباً ومينا
هلا على حجر ابن أم قطام تبكي لا علينا
أيام نضرب هامهم ببواتر حتى انحنينا
كم من رئيس قد قتلناه، وضيم قد أبينا
إنا لعمرك ما يضام حليفا أبداً لدينا

وتذكر كتب الأدب أن عبيد بن الأبرص عمرّ طويلاً، وتعد قصيدته البائية من المعلقات:


أقفر من أهله ملحوب



فالقطبيات فالذنوب

وهي قصيدة مليئة بالحكم والمواعظ، ولا يستغرب ذلك من رجل شاعر، نادم الملوك، وعمر طويلاً، ومن أبياتها:


تصبو وأنى لك التصابي
وكل ذي غيبة يؤوب
من يسأل الناس يحرموه
أفلح بما شئت فقد يبـ



أنى، وقد راعك المشيب
وغائب الموت لا يؤوب
وسائل الله لا يخيب
ـلغ بالضعف ، وقد يخدع الأريب

وفي نهاية عبيد خبر عجيب ، فقد قالوا إن المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة جعل لنفسه يومين، يوماً للبؤس يقتل فيه أول طالع عليه، ويوماً للسعد يكافيء أول طالع عليه، فطلع عليه في يوم من أيام بؤسه عبيد بن الأبرص، وكان من ندمائه ، فلم تشفع له منادمته، وصمم المنذر على قتله، فذهب الشاعر ضحية نزوة من نزوات المنذر،وهذه القصة ترددها كتب الأدب كثيراً ، فإذا كانت حقيقة فإن هذا يدل على ما وصلت إليه المظالم في جزيرة العرب، كما تدل على شيوع الضعف في القبائل نتيجة للحروب التي أنهكتها وأضعفت قوتها.
انتقد دارسو الأدب قديمهم وحديثهم معلقة عبيد بن الأبرص، ووصفوها بالاضطراب ، ولعل هذا الاضطراب الذي يبدو في بعض أبياتها نابع عن نقلها بالرواية الشفوية، ولعلَّ ناقلها لم يكن متذوقاً للشعر تذوقاً عالياً، فغير وبدل في أجزاء منها، وإلا كيف تعد من المعلقات إن كانت في أصلها مضطربة ، ومما يدلنا على علو عبيد في فن الشعر ما روي له من قصائد أخرى كلها جيدة وبارعة.
لازلنا ونحن نستعرض الشاعر الخامس من أصحاب المعلقات نطلع على البيئة الجاهلية التي سادتها الحروب العنيفة وسادها ملوك وأمراء جبابرة لا يرحمون القبائل، ويفتكون بأفرادها لأتفه الأمور، وكيف لا تكون التفاهة من سلوكياتهم وهم يتخذون أيام بؤس يقتلون فيها الأبرياء الذين قادهم حظهم العاثر لأن يفدوا على الملك المنذري في يوم بؤسه!!
% % %
والشاعر السادس من شعراء المعلقات هو عنترة بن شداد العبسي المتوفي في السنة نفسها التي توفي فيها عبيد بن الأبرص الأسدي، فقد توفي عنترة عام 600هـ أي قبل عشر سنين من البعثة النبوية الشريفة، ومعنى ذلك أن عنترة كان معاصراً للرسول r ولا بد أن يكون الرسول قد سمع به وببطولاته وأخلاقه، وقد روي أن رسول الله r عندما سمع بسيرته أثنى عليه، وتمنى لو أنه رآه ، وهذا يدل على أن الأخلاق الحميدة حتى لو كانت في الجاهلية فهي محمودة في الإسلام.
كان عنترة فارس بني عبس، كان بطلاً مغواراً ، عالماً بأصول الحرب، متمكناً من فن الفروسية، أما كيف تأتى له ذلك وهو العبد المملوك الذي أوكلت إليه مهام العبيد، فقد اضطربت الآراء في ذلك اضطراباً كبيراً.
وكانت قبيلة عبس قد خاضت معارك رهيبة، وقتل منها خلق كثير، وكانت نكبتها الأولى في مقتل سيدها وسيد القبائل العربية حول غطفان، زهير بن جذيمة العبسي، ثم إن خليفته في زعامة عبس قيس بن زهير واجه عقبات كبيرة صرفته عن الثأر لأبيه، وأدخلته في حرب ضروس مع إخوته من قبيلة ذبيان وذلك بسبب رهان على فرسين :داحس والغبراء.
انصرف قيس بن زهير عن الإعداد لحرب هوازن ، وهم قتله أبيه ، إلى حرب إخوانه من ذبيان ، ودارت رحى حرب طاحنه بينهما استمرت أربعين عاما، ولأنها دارت بسبب رهان بين فرسين هما داحس والغبراء سميت الحرب كلها باسمهما!
وشارك عنترة في كل حروب عبس، وقد شهد له المؤرخون بالبطولة والعفة، وتنطق أشعاره ،ومعلقته خاصة، بالصفات الحميدة التي تحلى بها، وبالبطولة النادرة التي كان يظهرها في الدفاع عن قبيلته.
وبسبب من النشأة البسيطة التي نشأها عبداً قناً، ثم ظهوره فجأة بطلاً مغواراً ، وانتزاعه لحريته انتزاعا، وبسبب الحسد الذي غمره به أبطال قبيلته، أعجب به الرواة، فبالغوا في صفاته وبطولاته حتى أدخلوها في باب الأساطير.
ولم تكن هذه الأساطير العنترية خيالية محضة، فقد بنيت على حقائق ، وهذه الحقائق هي التي جعلت رسول اللهr يعجب به ويتمنى لو رآه.


هلا سألت الخيل يابنة مالك
يخبرك من شهد الوقائع أنني
ولقد أبيت على الطوى وأظله



إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
حتى أنال به كريم المطعم

ومنها يفتخر ببطولته:


لما رأيت القوم أقبل جمعهم
يدعون عنتر والرماح كأنها
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها



يتذامرون، كررت غير مذمم
أشطان بئر في لبان الأدهم
قيل الفوارس ويك عنتر أقدم


ولعنترة ديوان شعر كبير كله في الفروسية وفي الفخر وفي مكارم الأخلاق.
عنترة الذي مات سنة 600م قبل الوحي بعشر سنوات عاش أيضاً ثلاثين سنة معاصراً لرسول الله من مولده حتى سنّ الثلاثين لرسول اللهr وقد كان اسمه يملأ ديار الجزيرة العربية كلها، ولا بد أن شهرته وصلت إلى مكة حيث عاش رسول اللهr، ولا بد أنه سمع به وسمع بشعره.
كان عنترة نتاج العبودية ، ثم غدا فارساً لامعاً لا يشق له غبار، وبسبب فروسيته هذه نال حريته ، عنترة إذن يمثل الشعراء العبيد وبعد عتقه يمثل الشعراء الفرسان السود، وهذه الفئة من السود كانت إحدى طبقات المجتمع الجاهلي ، وسوف نرى أن من أول من استجاب لنداء الإسلام بلال بن رباح الذي كان عبداً لأمية بن خلف أحد زعماء مكة، وصبر بلال على العذاب متمسكاً بالإسلام، وبعد انتصار الإسلام ذهب أمية بن خلف (السيد) قتيلاً في بدر ، وبقي بلال العبد الحبشي وقد حرره الاسلام وأصبح سيداً عظيماً من سادات المسلمين.
% % %
وسابع الشعراء النابغة الذبياني المتوفي سنة 604هـ قبل الوحي بست سنوات، وهو أيضاً قد عاصر أكثر من ثلاثين سنة من حياة الرسول r.
كان بنو ذبيان قد خرجوا من حرب طاحنة مع إخوتهم من عبس، كانت حرباً عبثية بسبب سباق بين فرسين يقال لهما داحس والغبراء، وتمادى سادة عبس وذبيان في التمسك بمواقفهم ، وأبى الأخ أن يصالح أخاه أو أن يتجاوز له عن بعض حقه، وتفانى الحيان أربعين عاماً حتى أضعفتهم الحرب وتداعوا للصلح.
وكانت ذبيان قد عقدت حلفاً مع قبيلة أسد بن خزيمة، واستمر هذا الحلف زمناً طويلاً حتى أطلقت قبائل العرب على أسد وذبيان لقب الحليفين.
ثم إن علاقة ذبيان وأسد كانت مضطربة مع الغساسنة والمناذرة ، وخاضوا معهما حروباً أدت إلى هزائم وأسرى ومفاوضات، وكان سفير ذبيان ,وأسد لملوك الغساسنة والمناذرة هذا الشاعر الكبير النابغة الذبياني ، وقد كان عليه أن يوازن علاقاته مع ملوك هاتين الإمارتين العربيتين المتنازعتين المتصارعتين.
كان يحاول أن يكون صديقاً لأمراء الدولتين، فمدح ملوكهما وتقرب منهما،وكثيراً ما نجح في مسعاه لديهما، وكثيراً ما أطفأ غضب هؤلاء الملوك بشعره ومدحه.
وكان يشوب علاقاته مع ملوك المناذرة بعض الاضطراب بسبب مدحه لملوك الغساسنة بغية فك اسرى قومه، وكان يعتذر لملوك المناذرة بقصائده، وقد اشتهرت هذه القصائد بالاعتذاريات ، وقد أَصبحت هذه القصائد أساساً لفن الاعتذار في الشعر العربي.
من أشهر اعتذارياته للنعمان تلك الاعتذارية التي يبرز فيها مدحه للغساسنة أعداء النعمان، ويبين له أن مدحه لهم بسبب إكرامهم له:


أتاني –أبيت اللعن- أنك لمتني
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
لئن كنت قد بلغت عني خيانة
ولكنني كنت امرأ لي جانب
ملوك وإخوان إذا ما أتيتهم
كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم



وتلك التي أهتم منها وأنصب
وليس وراء الله للمرء مذهب
لمبلغك الواشي أغش وأكذب
من الأرض فيه مستراد ومذهب
أحكم في أموالهم وأقرب
فلم ترهم في شكر ذلك أذنبوا

فأنت ترى أن النابغة يبرر صلته بالغساسنة بطريقة (دبلوماسية) فهو رسول قومه إلى الغساسنة لرأب الصدوع التي تسببها الاحتكاكات الدائمة بين الغساسنة وبين قبيلة النابغة، وكانت سفارات النابغة إلى الغساسنة ناجحة، فقد كان يفك أسرى قومه ويجنبهم كثيرا من المشاكل القائمة بينهم وبين الغساسنة .
والدارس لشعر النابغة يستطيع أن يتتبع العلاقات التي كانت قائمة بين الغساسنة والمناذرة وقبائل العرب في جزيرتها، وقد كانت مجالس الغساسنة والمناذرة حافلة بسادة العرب الذين يفدون عليهم، وقد اصطفى ملوكهم عدداً من السادة العرب فجعلوهم ندماءهم ووزراءهم ومستشاريهم، كما قربوا الشعراء النابهين من أمثال النابغة أملاً في قصائد مديحهم ،وهي من قبيل الدعاية لهم ونشر ذكرهم وتخليد مآثرهم.
ما يعنينا من دراستنا لزمن شعراء المعلقات هو هذا الحراك الذي كانت تمور به الجزيرة العربية بقبائلها في الزمن الذي سبق البعثة النبوية الشريفة وكان من إرهاصاتها.
كان النابغة الذبياني يمثل ظاهرة السفراء الشعراء، وكان سفيراً ناجحاً وشاعراً كبيراً، بل إنه كان سفيراً يستخدم شعره في تمرير مطالب القبيلة وفي تقريب وجهات النظر بينها وبين ملوك المناذرة والغساسنة.
% % %
والشاعر الثامن من شعراء المعلقات هو زهير بن أبي سلمى المزني، وكان كثير من نقاد الشعر يقدمون زهيراً على سائر الشعراء، وعندي أنه شاعر مقدم، ولكن تقديم شاعر على سائر الشعراء يحتاج إلى دراسات معمقة للشعر الجاهلي، ومع هذا فإن الحكم بذلك يخضع لذوق الذي يحكم ولأفكاره.
عاش زهير في ديار غطفان ، فقد كان أخوال أبيه من بني مرة الذبيانيين، وذبيان إحدى قبائل غطفان.
كانت بيئة الجاهلية بيئة حروب ونزاع، يثور هذا النزاع وتقوم هذه الحروب لأتفه الأسباب، بل ربما قامت الحروب بلا أسباب ، وربما فوجئ قوم بالحرب يقودها قوم لم يكن بينهم وبينهم عداوة أو ثأر، وكأن الحرب كانت عندهم هواية، يمارسونها تلذذاً بها!
وداحس والغبراء حرب دامت أربعين سنة بسبب سباق بين فرسين، كانت الحرب بين قبيلتين ترجعان بنسبهما إلى أخوين: عبس وذبيان، ولعل الأدق أن تقول إنها قامت بين عبس وبني فزارة من ذبيان، فقد كان سادة فزارة هم أصحاب الرغبة في إشعالها، وهم الذين كانوا كلما ركدت نارها حركوها وأشعلوها، ومن دراستي لهذه الحرب وجدت سيدا فزارة حمل بن بدر وحذيفة بن بدر يتلذذون بالقتل حتى أنهم قتلوا صبيان عبس وكانوا ، رهائن السلم عند سيد من بني مرة ،كان خاله حذيفة بن بدر فسلمهم إليه، فصلبهم واحداً واحداً دون أن يطرف له جفن!
وأشهد أيضاً أن قيس بن زهير العبسي سيد عبس كان كارهاً لهذه الحرب، ساعياً ما أمكنه السعي لوقفها حتى أنه وضع رهناً عند بني مرة من ذبيان مئة من صبيان عبس ضماناً لذلك، ولكن حذيفة وأخاه حملاً أعدموهما!!
وعندما ظفر قيس بن زهير بحذيفة وأخيه حمل في مكان يقال له "جفر الهباءة" كانت صورة صبيانهم المغدورين تطرق رأسه، وأصواتهم وهم يستغيثون تناديه، ولولا ذلك الفعل الشنيع ما أظن قيساً أقدم على قتل الرجلين ، يدلنا على ذلك رثاء قيس لهذين الرجلين بعد أن قتلهما.....[center]
[table style="BORDER-COLLAPSE: collapse" dir=rtl id=table2

[URL=http://arb-up
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دراسات في البيئة الجاهلية والشعر الجاهلي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإعجاز في علم البيئة الحديث
» من أروع ما قيل في الشعر العربي الجاهلي
» اغراض الشعر العربي الجاهلي
» نماذج من اعمال الطالبات باستخدام خامات من البيئة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى مدرسة دسوق الإعدادية بنات :: المنتدى العام :: المنتدى الثقافى والأدبى-
انتقل الى: